ظاهر الصفوة بيت الكرم وتمتاز بطبيعتها الخلابة وطيبة أهلها

 

أصالة وعراقة الفجيرة لا تقف عند حدود المدينة إنما تمتد إلى باقي مدن الإمارة وقراها التي تحمل بين جنباتها شذى التاريخ والكثير من الأسرار والقصص ومنها قرية ظاهر الصفوة وتقع على مسافة 72 كيلومتراً شمال غرب مدينة الفجيرة على الطريق الممتد بين الفجيرة ودبا الفجيرة مروراً بقرية وم، وقرية النوب حيث تقع على أطراف منطقة وادي الفاي وبين سلاسل جبال منطقة وعيب الحنة وتشتهر القرية بوجود بقايا البيوت القديمة التي تقع تحت سفح الجبال والتي عاشت فيها قبائل اليماحة نسبة إلى اليماحي .

 

اشتهرت ظاهر الصفوة في الماضي والحاضر بالزراعة ووفرة الماء لوجودها بالقرب من وادي الفاي الذي تتوافر فيه المياه على مدار أيام السنة مما أسهم في انتشار المزارع المزروعة بأشجار النخيل والليمون والموز والمانجو، بالإضافة لبعض الخضراوات كما أشتهرت القرية بكرم وطيبة سكانها لقوة العادات والتقاليد العربية الأصيلة كما اعتمد سكانها قديماً في تأمين لقمة العيش الكريم على ممارسة أعمال الزراعة بشتى أنواعها، وجمع الحطب وعسل النحل البري من الكهوف الجبلية وبيعه في أسواق الفجيرة، ودبا الفجيرة ورأس الخيمة .

 

عرفت ظاهر الصفوة منذ زمن بعيد بأرض الزرع والماء حيث كانت وما زالت تشتهر بوجود عدد من الينابيع والأودية التي تمر بأراضيها، بالاضافة لوجودها بالقرب من وادي غزير المياه يسمى وادي الفاي وكل هذا جعل أرضها خضراء وخلابة ومنطقة محتفظة لنفسها بخصائص ومآثر جميلة ومصدر هدوء للنفس البشرية، كما أنها منطقة تاريخية تضم العديد من الآثار التاريخية تتمثل بوجود بقايا قلعة قديمة مبنية من الحجارة، بالاضافة لوجود عدد من بقايا البيوت القديمة المبنية من الحجارة والطمي وأخشاب أشجار السمر والسدر .

 

وخلال جولتنا في القرية توجهنا إلى بيت الحاج راشد بن ضاوي اليماحي الذي يبلغ من العمر 68 عاماً والذي رحب بنا وتحدث عن المنطقة قائلاً: سكان المنطقة عددهم محدود وقد لا يتعدون 150 نسمة وجميعهم ينسبون إلى قبيلة اليماحي المعروفين بالروابط القوية التي تجمعهم ببعضهم بعضاً وشجاعتهم وطيبة قلوبهم .

 

وأضاف اليماحي: معيشتنا في الماضي كانت بسيطة والجميع اعتمدوا على جمع الحطب وعمله سخام (فحم)، والعسل البري والتمور وبيعها في أسواق الفجيرة ودبا الفجيرة، ورأس الخيمة كما اعتمدنا على زراعة أشجار النخيل والهامبا (المانجو)، وزراعة الدخن والحبوب، مثل القمح، والذرة، والشعير، وكانت المنازل في ذلك الوقت لا تتجاوز 10 بيوت مبنية من الطمي المطعم بالحصى وسعف وجريد النخيل وكان عدد الأهالي في تلك الفترة لا يتعدى 20 فرداً متعاونين ومترابطين في كل جوانب الحياة .

 

وقال اليماحي: إن ظاهر الصفوة عرفت بالأودية والينابيع غزيرة المياه على مدار العام وهي من اسهم في انتشار زراعة أشجار النخيل والحمضيات والليمون والموز وغيرها .

 

ويؤكد اليماحي أنه ما زال أهالي المنطقة يحرصون بشكل كبير على الاهتمام بالزراعة بكافة أنواعها وخصوصاً زراعة أشجار النخيل بأنواعه لأن أرض ظاهر الصفوة خصبة  ومناخها مناسب لزراعة أشجار النخيل وكافة أنواع المحاصيل الزراعية .

 

راشد بن سالم يبلغ من العمر 57 عاماً يقول: نظراً لتوافر الظروف المناخية المناسبة للزراعة وتوافر المياه على مدار أيام السنة تنتشر على طول سفوح جبال المنطقة العشرات من المزارع التي تم فصلها بعوازل حجرية يتعرف من خلالها الأهالي على مزارعهم مثل (اليامود) وهو عبارة عن أحجار توضع فوق بعضها بعضاً لتشكل هرماً صخريآً فاصلاً كما يستخدم البعض (الحضار) وهو مجموعة من أشجار السدر الجافة وتكون مصفوفة على شكل حاجز بين أشجار النخيل .

 

وأضاف: تمتاز أشجار النخيل في ظاهر الصفوة بانتاجها لأفضل أنواع التمور والرطب خاصة رطب النفال الذي يصنع منه الحسيل أي التمر المجفف الذي يخزن ويستفاد منه في وقت الشتاء .

 

أما محمد سالم عبدالله حميد  55 عاماً فيقول: عرفت المنطقة ببيوتها القديمة وبقايا القلعة الأثرية المبنية من الحجارة السوداء وتسمى قلعة الظاهرة والتي كانت تستخدم للمراقبة والدفاع عن المنطقة وظلت هذه الآثار لتحكي لزوارها كيف كانت أوضاع الحياة آنذاك كما لم تنقطع صلات الأهالي مع تلك الآثار والبيوت القديمة التي ورثوها عن أجدادهم حيث يحرص الجميع وبشكل دوري على الذهاب إلى أماكن البيوت القديمة وأماكن القلعة الظاهرة من أجل معايشة واقعها التاريخي والعناية بأراضيها .

 

وأضاف: البيوت قديماً كانت قليلة ومنها البيوت الشتوية المبنية من الحجارة السوداء والطمي المطعم بالحصى وأشجار النخيل ومنها الصيفية وكانت نوعين الأول يسمى بالعريش من سعف وجريد النخيل والثاني عبارة عن خيام من سعف النخيل والحجارة كما سكن بعض الأهالي قديماً في خيام من الشعر (بيوت الشعر) وكان الأهالي يمارسون أعمال الزراعة بكافة أنواعها ورعي الأغنام، اضافة إلى جمع العسل من الكهوف الجبلية وجمع الحطب وبيعه كسخام (فحم) .

 

وعن تسمية ظاهر الصفوة بهذا الاسم يقول الحاج عبدالله أحمد ضاوي 55 عاماً: سميت القرية بهذا الأسم بسبب ظهورها على المناطق الأخرى أي أنها ظاهرة بمعنى تستطيع مشاهدتها من أي منطقة مجاورة لها كما أنها ظاهرة وصافية أي انها ذات جو صاف وظاهر .

 

ويشير ضاوي إلى أن المنطقة تميزت منذ القدم وما زالت حتى وقتنا الحاضر عن غيرها من المناطق المجاورة بكثرة المياه فيها سواء مياه الآبار العذبة أو الينابيع والأودية ما جعلها من أكثر المناطق المعروفة بزراعة أشجار النخيل والمانجو والليمون والحبوب المختلفة خاصة الذرة، لذا أصبحت خضراء بمزارعها وطبيعتها الخلابة الجبلية حيث أنها منطقة محيطة بالجبال من جميع الاتجاهات .

 

الحاج حميد بن علي اليماحي يقول: عشنا في الماضي ظروفاً صعبة وقاسية إلى أن انتقلنا في عام 1976 إلى حياة جديدة في بيوت شعبية حديثة ومتطورة بناها لنا المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وانتقل الأهالي من العيش في منازل بدائية إلى منازل مجهزة بكافة الخدمات وغلب عليها الطابع المعماري الحديث كما تطورت المنطقة بكل جوانبها ليس فقط على البيوت الحديثة بل تعبدت الطرق ووصلت خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات إلى كل بيت .

 

سعيد راشد اليماحي 35 عاماً يقول: كان التعليم في القرية يتم على يد المطوع حيث لم تكن هناك مدارس وكان المطوع يقوم بتجميع أبناء القرية والقرى المجاورة في بيت العريش ويعلمهم القرآن الكريم قراءة وكتابة، بالاضافة لبعض الأحاديث النبوية والأمور الفقهية في شؤون الحياة المتعددة وكان المطوع يتقاضى مقابل تعليم الأبناء أشياء بسيطة مثل التمر أو الحطب أو القهوة أو غيرها من الاحتياجات أو روبيات .

 

ويشير علي محمد راشد اليماحي إلى دور المرأة في الماضي بقرية ظاهر الصفوة قائلاً: كانت المرأة في ذلك الزمان لها الدور الكبير في الكثير من الأعمال حيث تقوم بجلب الماء من الأودية والينابيع وجلب الحطب كما تقوم بجميع أعمال الزراعة وتربية ورعي الحيوانات، بالاضافة إلى أنها كانت تقوم بالاهتمام بأسرتها على أكمل وجه كما كانت بعض النساء في الماضي يمارسن العديد من المهن مثل التداوي بالأعشاب للعلاج لكثير من الأمراض كما كن يغزلن شعر الماعز وكل هذه الأعمال كانت تقوم بها المرأة .

 

وأضاف: حياتنا في الماضي كانت بسيطة ومنحصرة في تربية الأغنام والمواشي والزراعة والتجارة البسيطة وهي مصدر الرزق الأساسي في ذلك الوقت .

 

وعن التجارة قديماً في منطقة ظاهر الصفوة يقول الحاج راشد خلفان اليماحي: التجارة في الماضي كانت وسيلة يوفر بها الأهالي قوت يومهم من خلال بيع الحطب والعسل البري والتمور وبعض المحاصيل الزراعية، إضافة إلى بيع الأغنام والماشية ومنتجاتها مثل السمن البلدي والحليب والجبنة وكان يتم بيعها داخل أسواق الفجيرة، ودبا الفجيرة، ورأس الخيمة، والشارقة والبعض كان يذهب إلى التجار المتواجدين على الساحل البحري للمنطقة الشرقية للحصول على ثمن أكثر أو مقايضتها بمنتجات أو الاحتياجات اليومية للأسرة، وكان ذلك يتم عبر رحلات تجارية جماعية طويلة وشاقة إما على الجمال والحمير والخيول أو على الأقدام وكانت الرحلة الواحدة تستغرق أياماً عدة .

 

وأضاف: إن الأهالي في الماضي كانوا يعتمدون على التعاون بشكل كبير وإذا كان أحدهم يمتلك مزرعة يعمل معه فيها عدد من الأهالي ويساعده في كافة الأعمال ويعطي صاحب المزرعة كل منهم حصة من الانتاج .

 

ويخبرنا الحاج عبيد محمد سالم اليماحي عن وسائل العلاج قديماً التي كانت متبعة بين الأهالي من المنطقة والمناطق المجاورة فيقول: تميزت المنطقة بوفرة النباتات والأعشاب الطبية التي تكثر على سفوح الجبال وفي الأودية في موسم هطول الأمطار، ومن أبرز هذه الأعشاب الجعدة والحرمل والكرمل والشريثي والحلول والزعتر البري حيث استخدمه الأهالي للتداوي من العديد من الأمراض منها الصداع والصرع .

 

عبدالله محمد سالم اليماحي 26 عاماً يقول: ما يميز القرية أنها ساحرة وهادئة وقد يكون العامل المهم الذي أضفى على منطقة ظاهر الصفوة رونقها الخاص هو وجودها بين الجبال شاهقة الارتفاع حيث يحدها من الجنوب جبل الميضن ومن الشمال جبل الحمر وهما من أعلى الجبال التي تطل على المنطقة كما أن وجودها في أحضان الأودية والشعاب المائية الصغيرة جعل منها منطقة ذات رونق خاص لوجود المياه العذبة فيها على مدار أيام السنة .

 

وأضاف: ظاهر الصفوة أصبحت منطقة حيوية بدرجة كبيرة حيث شهدت تحولات كبيرة لم تكن متواجدة قبل قيام دولة الإمارات وبعد قيام الاتحاد .

 

بنيت المساكن الحديثة المتطورة المجهزة بكافة الخدمات التي توفر الراحة للجميع كما حدثت تطورات هائلة وواضحة في جميع الخدمات وليس فقط على المنازل وشمل هذا التطور خدمات الكهرباء والمياه والطرق والمواصلات والاتصالات .

 

ضاوي راشد أحمد اليماحي 25 سنة يقول: تتميز قرية ظاهر الصفوة عن غيرها من مناطق الفجيرة بأنها منطقة حيوية وشديدة الهدوء والخضرة الدائمة وذلك بسبب اهتمام الأهالي بالزراعة وبكل ما يخدم المنطقة كما تتميز عن غيرها بطبيعتها الساحرة ووجودها بين أحضان الجبال متعددة الألوان كما تتميز باعتدال مناخها على مدار أيام السنة وانعدام الرطوبة فيها مما يسمح بتعدد المحاصيل الزراعية فيها .

المصدر : الخليج 18 مارس 2011

Related posts